ترجمة: البلوكتشين البسيط

!

هذا الملك في جبال الهيمالايا يراهن على الإيثيريوم، لبناء أول نظام هوية وطنية يعتمد على البلوكتشين العامة في العالم - وفي هذه العملية، يعيد تصور العلاقة بين المواطنين وبياناتهم.

هذا الأسبوع، أعلنت مملكة بوتان في جبال الهيمالايا عن قرارها نقل نظام الهوية الرقمية الوطني من Polygon إلى Ethereum، مما أثار ضجة في عالم البلوكتشين. من المقرر أن يتم الانتهاء من هذه الخطوة قبل الربع الأول من عام 2026، مما يجعل هذا البلد الهيمالاوي رائدًا في إدارة الهوية السيادية باستخدام بنية تحتية عامة للبلوكتشين.

حضر المؤسس المشارك للإيثيريوم فيتاليك بوتيرين(VitalikButerin) ورئيسة مؤسسة الإيثيريوم آيا مياجوتشي(AyaMiyaguchi) حفل الإطلاق، مما يدل على أن أهميته قد تجاوزت مجرد الانتقال التكنولوجي. كما قالت آيا مياجوتشي في منشور على X، أصبحت بوتان “أول دولة تربط نظام الهوية الرقمية الوطني الخاص بها على البلوكتشين الإيثيريوم”، مما يمثل لحظة تاريخية لتطبيقات البلوكتشين على مستوى الدول.

لم تقبل بوتان البلوكتشين لإدارة الهوية بين عشية وضحاها. تم إطلاق نظام الهوية الرقمية الوطنية (NDI) في عام 2023، عندما أصبح صاحب السمو الملكي الأمير (His Royal Highness The Gyalsey) أول مواطن رقمي في البلاد. تم تأسيس النظام في البداية على أساس Hyperledger، ثم انتقل في أغسطس 2024 إلى Polygon، الذي كان مفضلًا بسبب بروتوكولاته المعرفة الصفرية والتزامه بالقدرة على معالجة أحجام المعاملات العالية.

اليوم، بعد أقل من عام، عادت بوتان إلى الإيثيريوم. ووفقًا لسكرتير الحكومة التقنية (GovTech) جيغمي تينزينغ (Jigme Tenzing)، فإن هذا القرار يعتمد بشكل أساسي على تعزيز الأمان: “من خلال الانتقال إلى الإيثيريوم، قمنا بتعزيز أمان هويتنا الرقمية.”

الإيثيريوم هو ثاني أكبر كتلة من حيث القيمة السوقية في العالم، وهو المنصة الرائدة للتطبيقات اللامركزية. اختيار الإيثيريوم يدل على التزام بوتان باستخدام بنية تحتية لامركزية تم اختبارها في الممارسة لدعم الأنظمة الوطنية الرئيسية على المدى الطويل.

فهم الهوية ذات السيادة الذاتية

النظام NDI في بوتان هو جوهر الهوية الذاتية السيادية (Self-Sovereign Identity، SSI )، وهذا يمثل تحولاً نموذجياً في طريقة تفكيرنا حول الشهادات الرقمية. وعلى عكس أنظمة الهوية التقليدية التي تتحكم فيها الحكومة أو الشركات في بياناتك، فإن SSI يمنح الأفراد القدرة على امتلاك وإدارة هويتهم الرقمية.

في الواقع، يعني هذا أن حوالي 800,000 من سكان بوتان يمكنهم تخزين الشهادات الرقمية مثل رخص القيادة وشهادات التعليم والسجلات الصحية في محفظة رقمية آمنة تحت سيطرتهم. عند الوصول إلى خدمات الحكومة أو إثبات الهوية عبر الإنترنت، يمكن للمواطنين تحديد المعلومات التي يرغبون في مشاركتها بدقة ومع من يشاركونها، مع نقل الشهادات الضرورية فقط، بدلاً من تسليم البيانات الشخصية بشكل كامل.

يوفر SSI للمستخدمين مزيدًا من السلطة على معلوماتهم الشخصية، مما يمكنهم من التحكم في من يمكنه الوصول إلى هذه المعلومات واستخدامها، مما يوفر مستوى أعلى من حماية الخصوصية، حيث لم تعد البيانات تحت سيطرة كيان مركزي. تعتبر البلوكتشين بمثابة سجل غير قابل للتغيير لإصدار الشهادات والتحقق من السجلات، ولكن المفتاح هو أن البيانات الشخصية الحساسة نفسها لا تُخزن على السلسلة. بدلاً من ذلك، يتم التحقق من صحة الشهادات من خلال إثباتات مشفرة دون الحاجة إلى كشف المعلومات الأساسية.

هذا الهيكل يعالج عدة ثغرات رئيسية في أنظمة الهوية التقليدية. تخلق قواعد البيانات المركزية “فخ” للهاكرز: اختراق نظام واحد قد يعرض هوية ملايين الأشخاص للخطر. المنصة اللامركزية التي تحققها SSI تسمح للمستخدمين بتقديم تفاصيل محددة فقط للجهات الموثوقة من خلال البلوكتشين وتقنية الشهادات القابلة للتحقق، مما يقلل من خطر سرقة الهوية مع الامتثال لقواعد الخصوصية الحالية.

لماذا تختار بوتان؟ دولة صغيرة تحمل طموحات رقمية كبيرة

بالنسبة لبلد صغير في جنوب آسيا لا يتجاوز عدد سكانه مليون نسمة، فإن الدفع الكبير لبوتان في إدارة الهوية المعتمدة على البلوكتشين يبدو مفاجئًا، لكن هناك عدة عوامل تمنحها مزايا فريدة في تحقيق هذه القفزة الرقمية. الحجم هنا يصبح ميزة - بفضل عدد السكان المضغوط، يمكن لبوتان تنفيذ وتكرار أنظمة الابتكار بشكل أسرع من تلك الدول الكبرى التي تعاني من البنية التحتية القديمة والركود البيروقراطي.

تظهر رغبة بوتان في احتضان العملات المشفرة وتقنية البلوكتشين تباينًا كبيرًا مع معظم الدول. لقد كانت بوتان تستغل مواردها الغنية من الطاقة الكهرومائية في تعدين البيتكوين بنشاط، مما يحول مزاياها من الطاقة المتجددة إلى أصول رقمية. وفقًا لبيانات Bitbo، يحتل احتياطي البيتكوين في البلاد المرتبة السادسة عالميًا، حيث تمتلك 11,286 بيتكوين، بقيمة 1.28 مليار دولار؛ وفقًا لبيانات StrategicETHReserve، تمتلك أيضًا 495.44 إيثريوم.

تُوفر فلسفة الحكم في بوتان التي تستند إلى “القيمة الإجمالية لسعادة المواطنين” بدلاً من نمو الناتج المحلي الإجمالي مساحة لتجربة الأنظمة التي تعطي الأولوية لتمكين المواطنين وحقوق البيانات بدلاً من الكفاءة الاقتصادية البحتة - يتناسب نظام SSI بشكل طبيعي مع هذه القيم الحاكمة المستندة إلى الثقة والتمكين الفردي. من خلال إنشاء نظام هويات البلوكتشين على المستوى الوطني، تُحدد بوتان أيضًا نفسها كمركز محتمل للابتكار والاختبار في البلوكتشين في منطقة جنوب آسيا، وقد يُصبح نظام NDI الخاص بها نموذجًا للدول النامية الأخرى التي تسعى لتجاوز البنية التحتية التقليدية للهويات.

اختيار بوتان لـ الإيثيريوم بدلاً من منصات البلوكتشين الأخرى يعكس اعتبارات مزدوجة على المستويين العملي والفلسفي. باعتبارها واحدة من أكثر شبكات البلوكتشين لا مركزية في العالم مع مئات الآلاف من المدققين، فإن الأمان الذي تقدمه الإيثيريوم يجعل من الصعب للغاية على أي كيان فردي التلاعب بسجلات الهوية. الدعم القوي من مجتمع المطورين واعتماد المؤسسات يوفران ضمانات للاستقرار على المدى الطويل المطلوبة لنظام الهوية الوطني. إن بناء النظام على الإيثيريوم يفتح أيضاً الأبواب لتحقيق التشغيل البيني مع النظام البيئي الواسع للتطبيقات اللامركزية، مما يخلق إمكانيات للابتكار في مجالات مختلفة من التمويل اللامركزي إلى الحكم الرقمي.

ربما الأهم هو، كما أوضح قونغ كاو كاي، “تحول بوتان يعكس الهدف من تصميم الإيثيريوم - منح الأفراد سيادة على بياناتهم، وبناء الثقة دون وجود نقطة فشل مركزية، وتحقيق نظام رقمي شامل يركز على الإنسان.” على الرغم من أن بوليغون يوفر سرعة معاملات أسرع وتكلفة أقل، إلا أن الأمان الأساسي واللامركزية التي يوفرها الإيثيريوم هي الأهم في النهاية عندما تضع دولة بنيتها التحتية للهوية على تقنية البلوكتشين.

الخلفية العالمية

لا تعتبر بوتان الدولة الوحيدة التي تستكشف استخدام البلوكتشين في نظام الهوية الوطنية، على الرغم من أنها قد تكون أول دولة تعتمد بالكامل على بلوكتشين عام مثل إيثيريوم لهذا الغرض.

من المتوقع أن يستخدم أكثر من 214 مليون مواطن برازيلي تقنية البلوكتشين لتحقيق الهوية الرقمية، وستكون ريو دي جانيرو، ولاية غوياس وولاية بارانا من أوائل الولايات التي ستصدر الوثائق على السلسلة. قدمت الحكومة البرازيلية شبكة بلوكتشين لتعزيز أمان مشاركة البيانات بين هيئة الضرائب الفيدرالية ووكالات تحديد الهوية المدنية، ودعم عمليات هيئة الضرائب بناءً على ذلك.

ومع ذلك، فإن نهج البرازيل يختلف في النطاق والتنفيذ عن بوتان. بوتان في مرحلة الانتقال إلى بلوكتشين مفتوح بالكامل ( إيثريوم )، بينما يبدو أن نظام البرازيل يركز أكثر على مشاركة البيانات بين المؤسسات، وقد يستخدم المزيد من هياكل البلوكتشين المصرح بها.

أطلقت فيتنام بلوكتشين وطنية باسم NDAChain، لتوفير الهوية الرقمية والسجلات، وتحتوي هذه السلسلة على 49 عقدة للتحقق، تتولى الإشراف عليها مؤسسات عامة وشركات كبيرة، وتهدف إلى خدمة الحكومة والشركات.

NDAKey يمكّن المواطنين من التحقق في الوقت الحقيقي من البيانات المتعلقة بهويتهم، وهو جزء مهم من جهود فيتنام لمكافحة الاحتيال وانتحال الهوية والاحتيال في ظل عملية الرقمنة المتزايدة للاقتصاد.

حددت فيتنام في أكتوبر 2024 استراتيجية وطنية شاملة للبلوكتشين تهدف إلى إنشاء 20 منصة بلوكتشين رئيسية، وجعل البلاد ضمن أفضل عشرة دول في الأبحاث المتعلقة بالبلوكتشين في آسيا. مقارنةً بمبادرات الهوية التي تركز عليها بوتان، يمثل هذا نهجًا أكثر تنظيمًا يقوده الحكومة.

مستقبل رقمي “يضع الإنسان في المركز”

على الرغم من التحديات، فإن التزام بوتان بإدارة الهوية القائمة على البلوكتشين يمثل إعادة تصور لعلاقة المواطنين بالحكومة في العصر الرقمي.

مع انتقال المزيد من جوانب حياتنا - من الرعاية الصحية إلى التمويل إلى التعليم - إلى الإنترنت، أصبحت مسألة من يتحكم في هويتنا الرقمية أكثر أهمية. تضع الإجابة في بوتان السيادة الفردية في المقام الأول، مع تحقيق الأمان من خلال اللامركزية، والشفافية من خلال البلوكتشين المفتوح.

لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت دول أخرى ستتبع خطى بوتان. ولكن عندما يراقب العالم هذا البلد الصغير في الهملايا وهو ينفذ أحد أنظمة الهوية الوطنية الأكثر تقدمًا على الإطلاق، هناك شيء واحد واضح: مستقبل الهوية الرقمية يُكتب على البلوكتشين، مواطنًا تلو الآخر.

بالنسبة لـ 800,000 من سكان بوتان، سيبدأ هذا المستقبل في أوائل عام 2026 من الإيثيريوم.

رابط المقال:

المصدر: