من حادثة احتجاز إحدى مشاهير الإنترنت من تايوان في نيويورك بعد تناولها الطعام دون دفع الحساب عدة مرات، دعونا نتحدث عن ظاهرة "موت شهرة Xiaohongshu" في أمريكا
النجمة التايوانية الشهيرة على الإنترنت، تشونغ بي يون (Pei Yun Chung)، البالغة من العمر 34 عامًا، قامت مرارًا بتناول الطعام في مطاعم فاخرة في نيويورك دون دفع الحساب، مما أدى إلى اعتقالها من قبل الشرطة، وهي الآن محتجزة في سجن رايكرز آيلاند (Rikers Island) (المصدر: صحيفة وورلد جورنال). يقع سجن رايكرز آيلاند (Rikers Island) في نهر إيست (East River) بمدينة نيويورك الأمريكية، بين مانهاتن ومنطقة كوينز، وهو واحد من أكبر مراكز الاحتجاز في نيويورك، وغالبًا ما يُستخدم لاحتجاز السجناء الذين ينتظرون المحاكمة أو الحكم. لطالما اشتهر رايكرز آيلاند بظروفه القاسية وبيئته العنيفة. وبسبب الكثافة السكانية الكبيرة وتهالك المرافق، يُجبر السجناء على البقاء في زنازين مزدحمة، وهي ليست ضيقة المساحة فحسب، بل تعاني من ضعف النظافة وكثرة مشاكل العنف. أن تظهر إحدى نجمات الإنترنت المتألقة على إنستغرام في مثل هذا المكان السيئ يبرز غرابة قصص “ثقافة الجمال الزائف” في السنوات الأخيرة، حيث يلاحق بعض المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي الشهرة والجمال التجميلي دون أي معرفة بالحياة اليومية الواقعية.
أثارت هذه الحادثة اهتمام المجتمع، لأنها كشفت عن مشكلة خطيرة في ثقافة منصات التواصل الاجتماعي الحالية، إذ يستخدم بعض المؤثرين أو ما يسمى بـ"نجمات الإنترنت" تأثيرهم على وسائل التواصل كوسيلة للضغط على المتاجر لتقديم الخدمات “مجانًا”. سلوك تشونغ بي يون ليس جريمة شخصية بسيطة فقط، بل يعكس سوء الفهم لدى بعض المؤثرين حول مفهوم “المجانية” أو “الامتياز”. وهناك أيضًا خلف هذه الثقافة منصات مثل “شياو هونغ شو” التي تروج لثقافة “الجمال الزائف”، حيث يظهر المستخدمون بشكل متألق يوميًا، ويسعون بشكل أعمى نحو التجميل والموضة، مما يؤدي إلى النزعة المادية والغرور، بالإضافة إلى احتمالية انتشار الاحتيال عبر الإنترنت ومشاكل الصحة النفسية بين الشباب.
كما تكشف واقعة “تناول الطعام المجاني” التي قامت بها تشونغ بي يون عن مشكلة أخرى تواجه العديد من المطاعم، حيث يطلب العديد من المؤثرين وجبات مجانية مقابل الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت هذه الممارسة أشبه بذهنية جماعية: طالما لديك عدد كافٍ من المتابعين أو الاهتمام، يمكنك الحصول على مكافآت في الحياة الواقعية. ورغم أن العديد من أصحاب الأعمال بدأوا يتعرفون على مثل هذه “سلوكيات الاحتيال” ويتخذون إجراءات وقائية، إلا أن هذه الثقافة منتشرة على نطاق واسع بين بعض الفئات الشابة.
وترتبط جذور هذه الظاهرة غالبًا بنموذج تشغيل منصات التواصل، حيث يجذب العديد من المؤثرين أعدادًا كبيرة من المتابعين والعلامات التجارية من خلال محتوى مُعد بعناية، مما يخلق نظامًا بيئيًا يعتمد على التأثير الافتراضي. في هذا النظام، يُترجم عدد المتابعين إلى اهتمام وتدفق، وقد يصبح وسيلة للحصول على الموارد “مجانًا”. سواء كان ذلك في المطاعم الفاخرة أو لدى العلامات التجارية، غالبًا ما تقف الكيانات التجارية عاجزة أمام مثل هذه الطلبات. وتكمن خلف هذه الثقافة أجواء منصات مثل “شياو هونغ شو” التي تخلق مجتمعًا يقدّس المظاهر والتأثير، وتنشر قيم القلق من الشكل الخارجي، وتجعل الجيل الشاب يعتقد أن الحصول على الاهتمام الكافي على المنصات يمكن أن يمنحهم امتيازات غير مستحقة في الواقع. “شياو هونغ شو”، كمنصة تركز على أسلوب الحياة ومشاركة الاستهلاك، تعتبر بلا شك أحد بؤر انتشار “ثقافة الجمال الزائف”، مما يؤدي إلى تفشي النزعة الاستهلاكية على المنصات الاجتماعية ويشكل تحديًا للمعايير الأخلاقية والاجتماعية العامة.
انتشار ثقافة الجمال الزائف
على منصات مثل “شياو هونغ شو”، يسعى الكثير من المؤثرين ونجمات الإنترنت إلى الشهرة والتأثير، وليس بالضرورة إلى جودة المنتج أو قيمة الخدمة. وتشجع طبيعة هذه المنصات بعض النجمات على عدم الاكتفاء بمشاركة حياتهن، بل تحويل تأثيرهن على المنصة إلى أداة لتحقيق مصالح مادية مباشرة. لا يقتصر هذا الفكر على “تناول الطعام المجاني”، بل يمتد إلى “التجارب المجانية” و"المعاملة الخاصة" وغيرها من السلوكيات المماثلة. أي أن العديد من المؤثرين لديهم تصورات غير واقعية عن تأثيرهم، ويعتقدون أن المتاجر يجب أن تقدم لهم منتجات أو خدمات مجانية مقابل الترويج.
والأسوأ من ذلك أن الشباب قد يعتقدون أن مجرد امتلاك عدد كبير من المتابعين يكفي للحصول على الامتيازات والمجانية بشكل طبيعي، سواء في المطاعم أو الفنادق أو غيرها من العلامات التجارية. وغالبًا ما يجد أصحاب الأعمال أنفسهم عاجزين أمام مثل هذه الطلبات، كما أن بعض المؤثرين يهتمون فقط بمصالحهم الخاصة عند الدخول في شراكات، متجاهلين التكاليف والجهود التي يبذلها الطرف الآخر. هذا السلوك يضع العلامات التجارية في مأزق أمام المطالب غير المعقولة؛ فهم لا يجرؤون على الرفض المطلق خوفًا من الدعاية السلبية، لكنهم لا يستطيعون أيضًا تحمل هذا التبادل غير المتكافئ على المدى الطويل، مما قد يضر بصورة العلامة التجارية والمصالح الاقتصادية.
تأثير “شياو هونغ شو” والمخاطر
منذ تأسيسها، ركزت “شياو هونغ شو” على مفهوم “المشاركة الحقيقية” و"أسلوب الحياة"، وبفضل تفاعل المستخدمين القوي ونموذج التسويق الدقيق للمحتوى، أصبحت منصة مهمة لتسويق العديد من العلامات التجارية. ومع ذلك، أدى تركيز المنصة على أسلوب الحياة والتوصيات الاستهلاكية إلى سوء فهم بعض المستخدمين لدورهم على المنصة. فالكثير من المؤثرين يعتبرون أنفسهم “رموز الذوق المعيشي”، ويربطون هذا “الذوق” بالمصالح التجارية. بالنسبة لهؤلاء النجمات، لا تعني القوة التأثيرية بالضرورة تقديم قيمة حقيقية للمتجر، بل يتم اعتبار المتاجر “موارد يمكن استغلالها”، ويصبح عدد المتابعين هو ورقة المساومة.
لقد كان لهذه الثقافة تأثير عميق على الجيل الشاب في تايوان، حيث يصعب على المستهلكين وأصحاب الأعمال التمييز بين التبادل القيمي الحقيقي وما قد يكون فخًا للاحتيال. وقد يتم استغلال نظام “المشاركة” و"التوصية" على منصة “شياو هونغ شو” أحيانًا كقناة للحصول على الموارد مجانًا، مما يعزز نزعة المقارنة ويؤدي إلى تضخيم التقدير الذاتي لدى بعض المؤثرين في العالم الافتراضي حتى يفقدوا الإحساس بالواقع.
حظر “شياو هونغ شو” في تايوان والتأمل الاجتماعي
في هذا السياق، قررت تايوان حظر “شياو هونغ شو”. ورغم أن البعض فسر الحظر بدوافع سياسية، وكان الهدف الأساسي منه حماية المستخدمين من الاحتيال الإلكتروني، لا يمكن تجاهل حقيقة أن ثقافة “الجمال الزائف” المنتشرة على المنصة تمثل بالفعل مشكلة اجتماعية كبيرة. فقد أصبحت “شياو هونغ شو” مرتعًا لنشر هذه الثقافة، وجعلت المؤثرين يروجون لسلوكيات استهلاكية غير مسؤولة على المنصة، ويضللون الشباب حول فهمهم للعالم الواقعي. وبصرف النظر عما إذا كان الأمر مرتبطًا بالسياسة أو الاحتيال، فإن هذه الظاهرة تضر بالأخلاقيات الاجتماعية وتؤدي إلى تشكل قيم ونظرة خاطئة للحياة لدى المزيد من الناس.
ينبغي ألا يُنظر إلى الحظر في تايوان على أنه مجرد عقوبة ضد “شياو هونغ شو”، بل يجب أن يكون دافعًا لإعادة النظر في دور منصات التواصل الاجتماعي، خاصة في تشكيل القيم وتحفيز أنماط الاستهلاك والتأثير على الشباب. وفي هذا السياق، من الضروري دراسة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بعمق أكبر وفهم آثارها الاجتماعية بعيدة المدى على الشباب.
تلعب منصات التواصل مثل “شياو هونغ شو” دورًا مهمًا في تحفيز الاستهلاك والتسويق للعلامات التجارية بين الشباب، لكنها في الوقت نفسه ساهمت في انتشار ثقافة “الجمال الزائف”. فالكثير من المؤثرين يرون المنصة كطريق للحصول على “الموارد المجانية”، ويطلبون من المتاجر خصومات أو سلعًا مجانية مقابل الترويج. هذا السلوك ليس غير أخلاقي فحسب، بل يشوه أيضًا فهم الشباب لمفهوم “التبادل القيمي”. إن قرار السلطات التايوانية بالحظر، سواء كان بدوافع سياسية أو لحماية المجتمع من الاحتيال أو لأسباب ثقافية، يعتبر جرس إنذار لثقافة المؤثرين، ويذكّرهم بأن عليهم تحمل المزيد من المسؤولية الاجتماعية على المنصات، وليس فقط البحث عن الشهرة والتأثير.
الأكثر إثارة للقلق هو أن ثقافة “الجمال الزائف” أصبحت تؤثر بعمق على أسلوب حياة وقيم بعض الشباب التايوانيين. فعندما يشاهد الكاتب في مقاهي ستاربكس أو مترو تايبيه أو حتى المراكز التجارية والمكتبات شبابًا يرتدون ملابس غير رسمية، يضعون بكرات الشعر ويتجولون وكأنهم استيقظوا للتو، يتساءل: لماذا لم تدرك تايوان بعد مدى تغلغل “أسلوب الحياة الصيني الجمالي”؟ بينما يستشعر العالم بأسره تأثير وسائل التواصل على حياة الشباب وصحتهم النفسية، لا يزال البعض في تايوان يظن أن هذه الأمور غير مهمة؟
وبالعودة إلى حادثة تشونغ بي يون “تناول الطعام المجاني”، فقد اعتُقلت هذه المؤثرة التايوانية بسبب تكرارها تناول الطعام المجاني في مطاعم فاخرة في نيويورك، وأثار تطور الحادثة الشكوك حول صحتها النفسية، حتى أن القاضي طلب منها الخضوع لتقييم نفسي. هذا الحدث يطرح تساؤلات حول مدى اهتمام تايوان حقًا بصحة الشباب النفسية، والدور الذي تلعبه وسائل التواصل، وما هي الحلول الفعالة التي يمكن تقديمها.
اليوم، يواجه الشباب عالماً افتراضيًا مليئًا بالإغراءات، وتختلف الكثير من القيم وأنماط الحياة فيه عن الواقع تمامًا. فالثقافة التي تروج لها منصات مثل “شياو هونغ شو” هي نموذج واضح للقيم الزائفة. إذ يظهر الشباب وكأنهم يسعون للكمال والمظاهر الخارجية، ويهملون الجهد والمسؤولية والأمانة المطلوبة في الحياة الواقعية. لا يقتصر الأمر على خلق معايير حياة غير واقعية، بل قد يؤدي أيضًا إلى تأثيرات سلبية عميقة على الصحة النفسية وأنماط السلوك الاجتماعي للشباب.
قد يكون حظر تايوان خطوة ضرورية، لكنه يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق: كيف يمكن للشباب في هذا العصر الرقمي أن يدركوا الفرق بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي؟ وكيف نساعدهم على بناء قيم ومفاهيم صحيحة؟ هذا هو جوهر القضية الذي يجب أن يحظى بالاهتمام الأكبر. وفي هذا السياق، ينبغي للمجتمع والحكومة والمؤسسات التعليمية والإعلام أن تتكاتف لتقديم التوجيه الصحيح للشباب، ومساعدتهم على الحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية في عالم الإنترنت المليء بالإغراءات.
هذه المقالة مستوحاة من حادثة احتجاز نجمة الإنترنت التايوانية في نيويورك بسبب تكرارها تناول الطعام المجاني، وتناقش ظاهرة “ثقافة الجمال الزائف” على منصة “شياو هونغ شو”، وقد نُشرت لأول مرة على “ABMedia” للأخبار المتخصصة بالبلوك تشين.
شاهد النسخة الأصلية
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
من حادثة احتجاز إحدى مشاهير الإنترنت من تايوان في نيويورك بعد تناولها الطعام دون دفع الحساب عدة مرات، دعونا نتحدث عن ظاهرة "موت شهرة Xiaohongshu" في أمريكا
النجمة التايوانية الشهيرة على الإنترنت، تشونغ بي يون (Pei Yun Chung)، البالغة من العمر 34 عامًا، قامت مرارًا بتناول الطعام في مطاعم فاخرة في نيويورك دون دفع الحساب، مما أدى إلى اعتقالها من قبل الشرطة، وهي الآن محتجزة في سجن رايكرز آيلاند (Rikers Island) (المصدر: صحيفة وورلد جورنال). يقع سجن رايكرز آيلاند (Rikers Island) في نهر إيست (East River) بمدينة نيويورك الأمريكية، بين مانهاتن ومنطقة كوينز، وهو واحد من أكبر مراكز الاحتجاز في نيويورك، وغالبًا ما يُستخدم لاحتجاز السجناء الذين ينتظرون المحاكمة أو الحكم. لطالما اشتهر رايكرز آيلاند بظروفه القاسية وبيئته العنيفة. وبسبب الكثافة السكانية الكبيرة وتهالك المرافق، يُجبر السجناء على البقاء في زنازين مزدحمة، وهي ليست ضيقة المساحة فحسب، بل تعاني من ضعف النظافة وكثرة مشاكل العنف. أن تظهر إحدى نجمات الإنترنت المتألقة على إنستغرام في مثل هذا المكان السيئ يبرز غرابة قصص “ثقافة الجمال الزائف” في السنوات الأخيرة، حيث يلاحق بعض المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي الشهرة والجمال التجميلي دون أي معرفة بالحياة اليومية الواقعية.
أثارت هذه الحادثة اهتمام المجتمع، لأنها كشفت عن مشكلة خطيرة في ثقافة منصات التواصل الاجتماعي الحالية، إذ يستخدم بعض المؤثرين أو ما يسمى بـ"نجمات الإنترنت" تأثيرهم على وسائل التواصل كوسيلة للضغط على المتاجر لتقديم الخدمات “مجانًا”. سلوك تشونغ بي يون ليس جريمة شخصية بسيطة فقط، بل يعكس سوء الفهم لدى بعض المؤثرين حول مفهوم “المجانية” أو “الامتياز”. وهناك أيضًا خلف هذه الثقافة منصات مثل “شياو هونغ شو” التي تروج لثقافة “الجمال الزائف”، حيث يظهر المستخدمون بشكل متألق يوميًا، ويسعون بشكل أعمى نحو التجميل والموضة، مما يؤدي إلى النزعة المادية والغرور، بالإضافة إلى احتمالية انتشار الاحتيال عبر الإنترنت ومشاكل الصحة النفسية بين الشباب.
كما تكشف واقعة “تناول الطعام المجاني” التي قامت بها تشونغ بي يون عن مشكلة أخرى تواجه العديد من المطاعم، حيث يطلب العديد من المؤثرين وجبات مجانية مقابل الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت هذه الممارسة أشبه بذهنية جماعية: طالما لديك عدد كافٍ من المتابعين أو الاهتمام، يمكنك الحصول على مكافآت في الحياة الواقعية. ورغم أن العديد من أصحاب الأعمال بدأوا يتعرفون على مثل هذه “سلوكيات الاحتيال” ويتخذون إجراءات وقائية، إلا أن هذه الثقافة منتشرة على نطاق واسع بين بعض الفئات الشابة.
وترتبط جذور هذه الظاهرة غالبًا بنموذج تشغيل منصات التواصل، حيث يجذب العديد من المؤثرين أعدادًا كبيرة من المتابعين والعلامات التجارية من خلال محتوى مُعد بعناية، مما يخلق نظامًا بيئيًا يعتمد على التأثير الافتراضي. في هذا النظام، يُترجم عدد المتابعين إلى اهتمام وتدفق، وقد يصبح وسيلة للحصول على الموارد “مجانًا”. سواء كان ذلك في المطاعم الفاخرة أو لدى العلامات التجارية، غالبًا ما تقف الكيانات التجارية عاجزة أمام مثل هذه الطلبات. وتكمن خلف هذه الثقافة أجواء منصات مثل “شياو هونغ شو” التي تخلق مجتمعًا يقدّس المظاهر والتأثير، وتنشر قيم القلق من الشكل الخارجي، وتجعل الجيل الشاب يعتقد أن الحصول على الاهتمام الكافي على المنصات يمكن أن يمنحهم امتيازات غير مستحقة في الواقع. “شياو هونغ شو”، كمنصة تركز على أسلوب الحياة ومشاركة الاستهلاك، تعتبر بلا شك أحد بؤر انتشار “ثقافة الجمال الزائف”، مما يؤدي إلى تفشي النزعة الاستهلاكية على المنصات الاجتماعية ويشكل تحديًا للمعايير الأخلاقية والاجتماعية العامة.
انتشار ثقافة الجمال الزائف
على منصات مثل “شياو هونغ شو”، يسعى الكثير من المؤثرين ونجمات الإنترنت إلى الشهرة والتأثير، وليس بالضرورة إلى جودة المنتج أو قيمة الخدمة. وتشجع طبيعة هذه المنصات بعض النجمات على عدم الاكتفاء بمشاركة حياتهن، بل تحويل تأثيرهن على المنصة إلى أداة لتحقيق مصالح مادية مباشرة. لا يقتصر هذا الفكر على “تناول الطعام المجاني”، بل يمتد إلى “التجارب المجانية” و"المعاملة الخاصة" وغيرها من السلوكيات المماثلة. أي أن العديد من المؤثرين لديهم تصورات غير واقعية عن تأثيرهم، ويعتقدون أن المتاجر يجب أن تقدم لهم منتجات أو خدمات مجانية مقابل الترويج.
والأسوأ من ذلك أن الشباب قد يعتقدون أن مجرد امتلاك عدد كبير من المتابعين يكفي للحصول على الامتيازات والمجانية بشكل طبيعي، سواء في المطاعم أو الفنادق أو غيرها من العلامات التجارية. وغالبًا ما يجد أصحاب الأعمال أنفسهم عاجزين أمام مثل هذه الطلبات، كما أن بعض المؤثرين يهتمون فقط بمصالحهم الخاصة عند الدخول في شراكات، متجاهلين التكاليف والجهود التي يبذلها الطرف الآخر. هذا السلوك يضع العلامات التجارية في مأزق أمام المطالب غير المعقولة؛ فهم لا يجرؤون على الرفض المطلق خوفًا من الدعاية السلبية، لكنهم لا يستطيعون أيضًا تحمل هذا التبادل غير المتكافئ على المدى الطويل، مما قد يضر بصورة العلامة التجارية والمصالح الاقتصادية.
تأثير “شياو هونغ شو” والمخاطر
منذ تأسيسها، ركزت “شياو هونغ شو” على مفهوم “المشاركة الحقيقية” و"أسلوب الحياة"، وبفضل تفاعل المستخدمين القوي ونموذج التسويق الدقيق للمحتوى، أصبحت منصة مهمة لتسويق العديد من العلامات التجارية. ومع ذلك، أدى تركيز المنصة على أسلوب الحياة والتوصيات الاستهلاكية إلى سوء فهم بعض المستخدمين لدورهم على المنصة. فالكثير من المؤثرين يعتبرون أنفسهم “رموز الذوق المعيشي”، ويربطون هذا “الذوق” بالمصالح التجارية. بالنسبة لهؤلاء النجمات، لا تعني القوة التأثيرية بالضرورة تقديم قيمة حقيقية للمتجر، بل يتم اعتبار المتاجر “موارد يمكن استغلالها”، ويصبح عدد المتابعين هو ورقة المساومة.
لقد كان لهذه الثقافة تأثير عميق على الجيل الشاب في تايوان، حيث يصعب على المستهلكين وأصحاب الأعمال التمييز بين التبادل القيمي الحقيقي وما قد يكون فخًا للاحتيال. وقد يتم استغلال نظام “المشاركة” و"التوصية" على منصة “شياو هونغ شو” أحيانًا كقناة للحصول على الموارد مجانًا، مما يعزز نزعة المقارنة ويؤدي إلى تضخيم التقدير الذاتي لدى بعض المؤثرين في العالم الافتراضي حتى يفقدوا الإحساس بالواقع.
حظر “شياو هونغ شو” في تايوان والتأمل الاجتماعي
في هذا السياق، قررت تايوان حظر “شياو هونغ شو”. ورغم أن البعض فسر الحظر بدوافع سياسية، وكان الهدف الأساسي منه حماية المستخدمين من الاحتيال الإلكتروني، لا يمكن تجاهل حقيقة أن ثقافة “الجمال الزائف” المنتشرة على المنصة تمثل بالفعل مشكلة اجتماعية كبيرة. فقد أصبحت “شياو هونغ شو” مرتعًا لنشر هذه الثقافة، وجعلت المؤثرين يروجون لسلوكيات استهلاكية غير مسؤولة على المنصة، ويضللون الشباب حول فهمهم للعالم الواقعي. وبصرف النظر عما إذا كان الأمر مرتبطًا بالسياسة أو الاحتيال، فإن هذه الظاهرة تضر بالأخلاقيات الاجتماعية وتؤدي إلى تشكل قيم ونظرة خاطئة للحياة لدى المزيد من الناس.
ينبغي ألا يُنظر إلى الحظر في تايوان على أنه مجرد عقوبة ضد “شياو هونغ شو”، بل يجب أن يكون دافعًا لإعادة النظر في دور منصات التواصل الاجتماعي، خاصة في تشكيل القيم وتحفيز أنماط الاستهلاك والتأثير على الشباب. وفي هذا السياق، من الضروري دراسة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بعمق أكبر وفهم آثارها الاجتماعية بعيدة المدى على الشباب.
تلعب منصات التواصل مثل “شياو هونغ شو” دورًا مهمًا في تحفيز الاستهلاك والتسويق للعلامات التجارية بين الشباب، لكنها في الوقت نفسه ساهمت في انتشار ثقافة “الجمال الزائف”. فالكثير من المؤثرين يرون المنصة كطريق للحصول على “الموارد المجانية”، ويطلبون من المتاجر خصومات أو سلعًا مجانية مقابل الترويج. هذا السلوك ليس غير أخلاقي فحسب، بل يشوه أيضًا فهم الشباب لمفهوم “التبادل القيمي”. إن قرار السلطات التايوانية بالحظر، سواء كان بدوافع سياسية أو لحماية المجتمع من الاحتيال أو لأسباب ثقافية، يعتبر جرس إنذار لثقافة المؤثرين، ويذكّرهم بأن عليهم تحمل المزيد من المسؤولية الاجتماعية على المنصات، وليس فقط البحث عن الشهرة والتأثير.
الأكثر إثارة للقلق هو أن ثقافة “الجمال الزائف” أصبحت تؤثر بعمق على أسلوب حياة وقيم بعض الشباب التايوانيين. فعندما يشاهد الكاتب في مقاهي ستاربكس أو مترو تايبيه أو حتى المراكز التجارية والمكتبات شبابًا يرتدون ملابس غير رسمية، يضعون بكرات الشعر ويتجولون وكأنهم استيقظوا للتو، يتساءل: لماذا لم تدرك تايوان بعد مدى تغلغل “أسلوب الحياة الصيني الجمالي”؟ بينما يستشعر العالم بأسره تأثير وسائل التواصل على حياة الشباب وصحتهم النفسية، لا يزال البعض في تايوان يظن أن هذه الأمور غير مهمة؟
وبالعودة إلى حادثة تشونغ بي يون “تناول الطعام المجاني”، فقد اعتُقلت هذه المؤثرة التايوانية بسبب تكرارها تناول الطعام المجاني في مطاعم فاخرة في نيويورك، وأثار تطور الحادثة الشكوك حول صحتها النفسية، حتى أن القاضي طلب منها الخضوع لتقييم نفسي. هذا الحدث يطرح تساؤلات حول مدى اهتمام تايوان حقًا بصحة الشباب النفسية، والدور الذي تلعبه وسائل التواصل، وما هي الحلول الفعالة التي يمكن تقديمها.
اليوم، يواجه الشباب عالماً افتراضيًا مليئًا بالإغراءات، وتختلف الكثير من القيم وأنماط الحياة فيه عن الواقع تمامًا. فالثقافة التي تروج لها منصات مثل “شياو هونغ شو” هي نموذج واضح للقيم الزائفة. إذ يظهر الشباب وكأنهم يسعون للكمال والمظاهر الخارجية، ويهملون الجهد والمسؤولية والأمانة المطلوبة في الحياة الواقعية. لا يقتصر الأمر على خلق معايير حياة غير واقعية، بل قد يؤدي أيضًا إلى تأثيرات سلبية عميقة على الصحة النفسية وأنماط السلوك الاجتماعي للشباب.
قد يكون حظر تايوان خطوة ضرورية، لكنه يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق: كيف يمكن للشباب في هذا العصر الرقمي أن يدركوا الفرق بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي؟ وكيف نساعدهم على بناء قيم ومفاهيم صحيحة؟ هذا هو جوهر القضية الذي يجب أن يحظى بالاهتمام الأكبر. وفي هذا السياق، ينبغي للمجتمع والحكومة والمؤسسات التعليمية والإعلام أن تتكاتف لتقديم التوجيه الصحيح للشباب، ومساعدتهم على الحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية في عالم الإنترنت المليء بالإغراءات.
هذه المقالة مستوحاة من حادثة احتجاز نجمة الإنترنت التايوانية في نيويورك بسبب تكرارها تناول الطعام المجاني، وتناقش ظاهرة “ثقافة الجمال الزائف” على منصة “شياو هونغ شو”، وقد نُشرت لأول مرة على “ABMedia” للأخبار المتخصصة بالبلوك تشين.