لعنة الانخفاض مع كل مؤتمر تعود من جديد؟ مؤتمر البيتكوين في أبوظبي يواجه اختبار الأسعار

مع تذبذب سعر البيتكوين بالقرب من 92,000 دولار، انطلقت آخر فعالية كبرى لصناعة العملات الرقمية في 2025، مؤتمر بيتكوين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (Bitcoin MENA 2025)، في أبوظبي. عاد “السحر” الذي يلازم السوق إلى دائرة الضوء من جديد: منذ بداية 2025، شهدت المؤتمرات الأربعة الرئيسية للبيتكوين تراجع الأسعار أثناء انعقادها، حيث تراوحت نسب الانخفاض بين 5% و12%. لكن خلفية هذا المؤتمر مختلفة تمامًا؛ فقد أعلن مسؤولون أمنيون إماراتيون بصراحة أن البيتكوين “ركيزة أساسية” لمستقبل المال، كما رفع صندوق أبوظبي الاستثماري السيادي (ADIC) حيازته من البيتكوين في الربع الثالث إلى 518 مليون دولار. فهل ستنجح قوة رأس المال الشرق أوسطي في كسر قاعدة “كل مؤتمر يتبعه هبوط” هذه المرة؟

“سحر الهبوط مع كل مؤتمر” في 2025: بيانات تاريخية تكشف عن نمط محرج

بالنسبة لمتداولي البيتكوين، يبدو أن المؤتمرات الكبرى تحولت من محفز صعودي إلى إشارة تحذير لبيع الأخبار. وخلال عام 2025، برز هذا النمط بشكل واضح. ففي نهاية مايو، وأثناء مؤتمر لاس فيغاس، تراجع سعر البيتكوين من حوالي 110,000 دولار في بداية المؤتمر إلى قرابة 103,000 دولار في نهايته، ليبدأ موسم “تصحيح الأسعار مع المؤتمرات”.

وتكررت نفس القصة لاحقًا. ففي منتصف يونيو خلال مؤتمر براغ، انخفض البيتكوين من 108,000 دولار إلى أقل من 100,000 دولار، أي بنسبة تقارب 10%. وفي مؤتمر هونغ كونغ في نهاية أغسطس، تراجع السعر من 113,000 دولار إلى 107,000 دولار، بانخفاض 5%. أما مؤتمر أمستردام الشهر الماضي فقد شهد أكبر تصحيح سنوي، حيث هبط البيتكوين من 107,000 دولار إلى 95,000 دولار، أي بنسبة 12%. هذه السلسلة من البيانات ليست مصادفة، بل تعكس سلوكًا نفسيًا شائعًا في الأسواق الناضجة: عند ذروة التوقعات والاهتمام (افتتاح المؤتمر)، يميل بعض المستثمرين لجني الأرباح، مستغلين تدفق السيولة واهتمام المستثمرين الأفراد للبيع.

هذا السلوك المعروف باسم “شراء الإشاعة وبيع الخبر” يتكرر كثيرًا في الأسواق المالية التقليدية أيضًا. فعندما يتم تسعير جميع الأخبار الإيجابية مقدمًا، يصبح الحدث نفسه نقطة ضعف للمشترين وفرصة للبائعين. وفي سوق العملات الرقمية المعروف بتقلبه العالي وتأثره بالعواطف، يتضخم هذا التأثير عادة. لذا، مع انطلاق مؤتمر أبوظبي، يبقى السؤال الأكبر في أذهان المستثمرين: هل سيعيد التاريخ نفسه ببساطة، أم أن هذه المرة ستكون مختلفة؟

لمحة عن أداء سعر البيتكوين خلال مؤتمرات 2025

• مؤتمر لاس فيغاس (نهاية مايو): انخفض السعر من حوالي 110,000 دولار إلى حوالي 103,000 دولار، بنسبة تقارب 6.4%.
• مؤتمر براغ (منتصف يونيو): هبط السعر من حوالي 108,000 دولار إلى أقل من 100,000 دولار، بنسبة تقارب 10%.
• مؤتمر هونغ كونغ (28-29 أغسطس): تراجع السعر من حوالي 113,000 دولار إلى حوالي 107,000 دولار، بنسبة تقارب 5%.
• مؤتمر أمستردام (نوفمبر): انخفض السعر من حوالي 107,000 دولار إلى حوالي 95,000 دولار، بنسبة 12%.
• مؤتمر أبوظبي (افتتاح 9 ديسمبر): كان سعر البيتكوين عند الافتتاح حوالي 92,000 دولار، والأسواق تراقب تحركاته عن كثب.

طموحات الإمارات: من “التبني” إلى “الركيزة” في ترقية استراتيجية

على عكس المؤتمرات السابقة، تميز مؤتمر أبوظبي منذ البداية بطابع رسمي قوي وإعلانات استراتيجية واضحة. ففي كلمته الافتتاحية، وصف ممثل الأمن الوطني الإماراتي محمد الشامسي العصر الحالي بأنه “مرحلة تاريخية” في الاقتصاد العالمي، ورفع مكانة البيتكوين من “أصل رقمي” إلى “ركيزة أساسية” في النظام المالي الحديث. هذا التحول في الخطاب له دلالة كبرى، إذ يعكس انتقال الإدراك لدى إحدى أهم اقتصادات الشرق الأوسط من النظر للبيتكوين كأداة للمضاربة إلى اعتباره جزءًا من البنية التحتية المالية.

وأكثر من ذلك، شدد الشامسي على أن تعدين البيتكوين يمثل “القلب النابض” لقوة الشبكة وأمانها واستدامتها، مؤكدًا التزام الإمارات ببناء نظام بيئي مستدام يدعم عمليات التعدين على نطاق واسع. ويتماشى هذا مع استراتيجية الدولة طويلة الأجل لتنويع مصادر الطاقة وتطوير الصناعات التقنية المتقدمة. وقد أكد موضوع النقاش حول “تعدين البيتكوين كمثبت للشبكة الكهربائية في الأسواق الناشئة” هذا التوجه العملي—فالبيتكوين هنا ليس مجرد مسألة مالية، بل يرتبط بالطاقة والحوسبة والبنية التحتية.

هذه التصريحات الرسمية مدعومة بالفعل باستثمارات حقيقية. فقد زادت لجنة الاستثمار بأبوظبي في الربع الثالث من 2025 حيازتها في صندوق BlackRock iShares Bitcoin Trust أكثر من الضعف لتصل إلى حوالي 8 ملايين سهم بقيمة 518 مليون دولار. وجاءت هذه الزيادة مع بلوغ البيتكوين أعلى مستوى تاريخي له، ما يعكس رؤية الصندوق السيادي للبيتكوين كأصل استراتيجي طويل الأجل و"ذهب رقمي" في محفظته الاستثمارية. وأكد قادة الصناعة في المؤتمر أن الإمارات مرشحة بقوة لتكون “وول ستريت العملات الرقمية” بفضل تنظيماتها التجارية المرنة ونمو نظامها البيئي.

لعبة نفسية في السوق: هل يمكن كسر سحر الهبوط هذه المرة؟

أمام قاعدة تاريخية قوية وسردية أساسية جديدة لا تقل قوة، يخوض السوق الآن معركة نفسية دقيقة. منطق الهبوط واضح وثبت مرات عديدة: تركز الانتباه أثناء المؤتمرات يسهل عمليات التصريف الكبيرة؛ كما أن البيتكوين لا يزال في حالة تجميع بعد تصحيحه من أعلى مستوياته في أكتوبر، ويفتقر لزخم قوي لاختراق جديد؛ ومن الناحية الفنية، يحتاج السعر لاختراق وتثبيت فوق منطقة المقاومة الرئيسية 95,000 إلى 100,000 دولار ليستعيد اتجاهه الصاعد.

ومع ذلك، توجد أسباب وجيهة للتفاؤل وكسر السحر السلبي. أولاً، قد يكون “البائعون” في هذا المؤتمر مختلفين عن السابق. فعمليات البيع بعد المؤتمرات السابقة غالبًا ما كانت من مستثمرين مبكرين أو مضاربين قصيري الأجل لجني الأرباح، أما الآن وبعد تراجع السعر بأكثر من 20% من القمة، فقد خف ضغط جني الأرباح. ثانيًا، إرسال صندوق الثروة السيادي الإماراتي إشارات دعم قوي، إلى جانب التصريحات الرسمية، يعزز الثقة ويخفف من تأثير البيع قصير الأمد. وأخيرًا، مع نهاية العام غالبًا ما يعاد توزيع الأصول، وقد تبدأ روايات سنوية جديدة (مثل تدفقات ETF الفورية أو تأثيرات ما بعد التنصيف) في التبلور لتدعم السعر.

لذلك، سيصبح أداء سعر البيتكوين خلال مؤتمر أبوظبي اختبارًا حقيقيًا لقوة هيكل السوق الحالي. فإذا تمكن السعر من الصمود أو حتى الارتفاع الطفيف خلال المؤتمر، سيعزز ذلك معنويات المشترين ويدل على أن الأساس أقوى مما يُظن وأن المستثمرين الكبار والمؤسسات أصبحوا في موقع القيادة. أما إذا تكرر سيناريو “كل مؤتمر يتبعه هبوط”، فهذا يدل على أن السوق بحاجة لمزيد من الوقت لهضم المكاسب السابقة وأن المضاربة قصيرة الأجل لا تزال مسيطرة، وربما لم ينتهِ التصحيح بعد.